خطبة 10 ذي الحجة 1446 مكتوبه ملتقى الخطباء
مرحباً أعزائي الزوار في موقع المعلم الناجح يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم خطبة الجمعة ليوم عرفة مكتوبة كاملة وهي خطبة الجمعة 10 ذو الحجة 1446 هـ بعنوان : (أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ )
الإجابة الصحيحة هي
خطبة الجمعة 10 ذو الحجة 1446 هـ بعنوان :
(أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ )
عناصر الخطبة :
أولًا: فضلُ الحجِّ ومكانتُهُ في الإسلامِ.
ثانيًا: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ وروحيةٌ.
ثالثًا: العيدُ وصلةِ الرحمِ .
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: فضلُ الحجِّ ومكانتُهُ في الإسلامِ.
أيُّهَاالإخوة المُسلِمُونَ :
الحجِّ ركن عظيم من أركان الإسلام وهو حق لله تبارك وتعالى علي المستطيع منا
قال تعالى :
﴿ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ ﴾ آل عمران: 97.
وفي الصحيحين ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان))؛ متفق عليه.
ويقول اللهِ جلَّ وعلا: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]،
وقد أمرَ اللهُ إِبرَاهِيمُ عليهِ السلامُ بأنْ يؤذنَ في الناسِ بالحجِّ فقال تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27،
أيها الإخوة المسلمون:
لقد شرع الله جلَّ وعلا عبادة الحج ، لمقاصد عظيم وأهدافٍ نبيلة
- وإن أعظم هذه المقاصد هو تحقيق التوحيد وإخلاص العبودية لله والبراءة من الشرك والخلوص منه ، بل إن هذا المقصد هو الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها وأوجدهم لتحقيقها وعليها يقوم الحج وغيره من الطاعات ،
وفي سياق ذكرِ جابر رضي الله عنه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : «فَأَهَلَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتوحيد فقال : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ» .
- ومن مقاصد الحج عباد الله :
تحقيق تقوى الله جل وعلا ؛ ولذا تكررت الوصية بالتقوى في آيات الحج من سورة البقرة وسورة الحج ؛
قال الله عزَّ وجل:
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}،
وفي سورة الحج :
قال الله تعالى :
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}،
ثم قال بعدها بآيات : {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [الحج:37] .
- ومن مقاصد الحج عباد الله :
إقامة ذكر الله جل وعلا ؛ وقد تكررت الوصية بذكره جلَّ في علاه في آيات الحج في سورة البقرة وفي سورة الحج ، قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}
[البقرة:198] ،
ثم قال الله جل وعلا بعد ذلك :
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة:200] ،
ثم قال الله عز وجل بعد ذلك : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:203] ،
وفي سورة الحج قال الله عزَّ وجل: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج:27-28] ،
وفي المسند عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) .
- ومن مقاصد الحج العظيمة :
تعميق الاستجابة لله والاتباع لهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ؛
- ومن مقاصد الحج العظيمة أيها المؤمنون :
استشعار منّة الله على عبده بالهداية والتوفيق للطاعة والسلامة من سبيل أهل الضلال ، وقد مر معنا قول الله جل وعلا : {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة:198] ،
وفي خاتمة الآيات الكريمات آيات الحج في سورة الحج قال الله عز وجل: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} .
- ومن مقاصد الحج العظيمة :
تقوية الإيمان وتهذيب الأخلاق فكم في الحج من مجالاتٍ متنوعات لإصلاح النفوس وتهذيب القلوب وتقوية الإيمان وزيادة الصلة بالرحمن جل وعلا
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة:197] .
* والحج مرة واحدة في العمر :
فعن أبي هريرةَ – رضي اللهُ عنه – قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فقالَ: (يا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا)، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتى قالها ثَلاثًا، فقال رَسُولُ اللهِ ﷺ: (لَو قُلتُ: نَعَم، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استَطَعتُم(، ثم قال: (ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُم إنَّما هلَكَ مَن كانَ قبلَكُم بِكَثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم علَى أنبيائِهِم ، فإذا أمرتُكُم بالشَّيءِ فخُذوا بهِ ما استَطعتُمْ ، وإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنبوهُ ,) صحيح البخاري.
وأما عن فضائل الحج والعمرة :
فالحجَّ مِن أفضلِ العباداتِ على الإطلاقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ ورسولِه. قِيلَ: ثم ماذا ؟ قال جهادٌ في سبيلِ اللهِ. قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مَبرورٌ.” (متفق عليه).
ويكفي الحجُّ فضلًا أنَّ الحاجَّ يولدُ مِن جديدٍ، فكما أنَّ المولودَ يولدُ على الفطرةِ لم يرتكبْ ذنبًا أو خطيئةً، فكذلك الحاج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ ﷺ:
” مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ “(متفق عليه).
وعَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي أتيْتُ النَّبيَّ ﷺ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ابسُطْ يمينَكَ لأبايعَكَ، فبسطَ يدَهُ فقبضْتُ يدي. فقال: مالكَ يا عَمرُو؟ ! . قال: أردتُ أنْ أشترطَ. قال: تشترطُ ماذا ؟
قال: أن يُغفَرَ لي. قال : أمَا علمتَ يا عَمرو ! أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبلَهُ، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَهَا ، وأنَّ الحجّ يهدِمُ ما كانَ قبلَهُ؟.( مسلم)
فالحجُّ بذلك يهدمُ ما كان قبلَهُ مِن المعاصي والذنوبِ،
والذي أكرمَهُ اللهُ بحجِّ بيتِه الحرامِ قد جمعَ بينَ ثوابَيِ الدنيا والآخرةِ،
فقد جمعَ بينَ ثوابِ الدنيا مِن الغنَى ونفيِ الفقرِ والذنوبِ، وبينَ ثوابِ الآخرةِ وهو الجنةُ، وهل هناكَ أعظمُ مِن ذلك في الدنيا والآخرةِ؟.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ” (متفق عليه).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ”
( ابن ماجة والنسائي والترمذي وحسنه)،
وقد عدَّ الرسولُ ﷺ الحجَّ لونًا مِن ألوانِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ” (البخاري).
أيُّها الأحبابُ: إنَّ للحجِّ فضائلَ كثيرةً، وأنَّ مَن لم يحجْ بيتَ اللهِ الحرامَ مع القدرةِ عليه فقد حُرِمَ خيرًا كثيرًا، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنَّ الرَّسولَ ﷺ قال:
” قال اللهُ: إنَّ عبدًا صحَّحْتُ له جسمَه ووسَّعْتُ عليه في المعيشةِ يمضي عليه خمسةُ أعوامٍ لا يفِدُ إليَّ لَمحرومٌ “. (البيهقي وابن حبان بسند صحيح).
ولكلِّ هذه الفضائلِ جُعِلَ الحجُّ مِن أفضلِ العباداتِ، يقولُ الإمامُ أبو حنيفةَ – رحمه اللهُ-:
جعلتُ أفاضلُ بينَ العباداتِ، كلما تتبعتُ عبادةً وجدتُ لها أفضلية، فأقولُ: هي الأفضلُ، فلما تتبعتُ الحجَّ وجدتُهُ أفضلَهُم لاشتمالهِ على جميعِ العباداتِ كلِّهَا. أ. ه.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في فتحِ الباري:” والذي يظهرُ أنَّ السببَ في امتيازِ عشرِ ذي الحجةِ؛ لمكانِ اجتماعِ أمهاتِ العبادةِ فيها وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحجُّ ولا يتأتَّى ذلك في غيرِهَا.”
وهذه الفضائلُ والهباتُ والعطايا والمنحُ العظيمةُ تجعلُ الإنسانَ دائمَ الشوقِ إلى الحجِّ:
لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الزحَامِ مُلبّيًا
لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الحجيجِ ساعيًا لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ عبادِكَ داعيًا
لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الصفوفِ مصليًا لبّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الجموعِ لعفوِكَ طالبًا
لبّيكَ ربِّي فاغفرْ جميعَ ذنوبِي أدقهَا وأجلهَا
ثانياً : الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ وروحيةٌ.
إنَّ رحلةَ الحجِّ الإيمانيةَ تبدأُ مِن تجردِ الحاجِّ مِن جميعِ ملابسهِ وزخارفِ الدنيا،
فهي صورةٌ مصغرةٌ مِن أرضِ المحشرِ، بهذا الإحرامِ يدخلُ المؤمنُ في محيطِ الرُّوحِ، وفي متسعِ الضيافةِ، ولذلك وجبَ عليهِ أنْ يعلنَ أنّه قد دخلَ في هذا الوادي المقدسِ، وادِي الرُّوحِ، وادِي الضيافةِ الإلهيةِ،
ولذلك يقولُ: “لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ”.(سنن ابن ماجة).
رحلةَ الحجِّ تذكرُ الإنسانَ باليومِ الآخرِ بدءً بالتجردِ مِن المخيطِ، وارتداءِ ثيابِ الإحرامِ التي تشبهُ أكفانَ الموتَى وقبلَ ذلك سفرِهِ عن الأوطانِ، ووداعِهِ لأهلِهِ وأقاربِهِ، وذلك يذكرُهُ بسفرهِ الأخيرِ إلى دارِ الآخرةِ،
ولذا الإنسانُ ينبغِي أنْ يتذكرَ بزحمةِ الطوافِ والسعيِ والرميِ ذلك الزحامَ الرهيبَ يومَ الحشرِ يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين، يومَ يجمعُ اللهُ الأولينَ والآخرينَ في صعيدٍ واحدِ،
يتذكرُ بحرارةِ الشمسِ في مكةَ يومَ تدنُو الشمسُ مِن العبادِ قدرَ ميلٍ و يتذكرُ بالتعبِ والضنكِ والعرقِ المتصببِ مِن جسدِهِ وأجسادِ الناسِ مِن حولِهِ ذلك اليومَ الرهيبَ والموقفَ المهولَ يومَ يبلغُ الناسُ في العرقِ مبلغًا عظيمًا، ولذا نرى أنَّ القرآنَ الكريمَ قد ختمَ الحديثَ عن مناسكِ الحجِّ في “سورةِ البقرة”
بالتذكيرِ بحشدِ الحشرِ الأكبرِ والذي يتجلَّى في أروعِ صورِهِ يومَ عرفةَ فقالَ ربُّنَا:
﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ .
يتبع في الأسفل الخطبة الأولى والثانية