هل العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية أم اعتباطية ؟
مقالة جدلية حول العلاقة بين الدال والمدلول النموذج الأول باك 2025 هل العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية أم اعتباطية
نسعد بكم أعزائي الطلاب والطالبات في << المعلم الناجح >> يسرنا بزيارتكم أن نقدم الاجابة على أسئلتكم المتنوعة من مناهج التعليم الحديث من مصدرها الصحيح ولكم الأن إجابة السؤال ألذي يقول...هل العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية أم اعتباطية
الإجابة الصحيحة هي
هل العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية أم اعتباطية
طرح المشكلة : إن الإنسان في بناءه لعلاقاته مع غيره في حاجة إلى وسيلة للتعبير عن ذلك ولا يتم ذلك إلا من خلال اللغة التي تعبر عن حاجياته وأفكاره ، ومن هنا تبرز اللغة كأداة فعالة للقيام بهذه العملية عن طريق استعمال إشارات ورموز للدلالة على معنى من المعاني ، وبالتالي تصبح كل لفظة تدل على معنى يتم تصوره في الذهن ، أي أن هناك علاقة بين ما يطلق عليه علماء النفس اللغوي بالدال والمدلول ، هذه المسألة طرحت جدلا كبيرا بين الفلاسفة وعلماء النفس حول نوع العلاقة الموجودة بينهما ، حيث نجد من يعتبر هذه العلاقة تتحكم فيها الضرورة وبالتالي فهي طبيعية ، وأن البعض الآخر تجاوز ذلك إلى الاصطلاح . ومن هنا نتساءل : ما طبيعة العلاقة بين صيغة الكلمة ومعناها أي بين الدال والمدلول هل هي علاقة ضرورية أم اعتباطية ؟.
الاطروحة الاولى : يذهب الكثير من العلماء والمفكرين إلى اعتبار العلاقة الموجودة بين الدال والمدلول علاقة تتحكم فيها الضرورة وأنها علامة تطابق بين الشيء وما يدل عليه في العالم الخارجي ، وأساس ذلك محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة ، ومن بين دعاة هذا اللإتجاه نجد أفلاطون( 427ــ 347 ق م) في محاورة كراتيل التي يعتبر فيها العلاقة بين الكلمات ومعانيها هي علاقة مادية تحاكي فيها الكلمات أصوات طبيعية ، حيث يكفي سماع الكلمات لمعرفة دلالتها : كخرير المياه ، زقزقة العصافير ...، حيث يؤكد أنه لا دخل للإنسان في تحديد معاني الكلمات والألفاظ مادامت الأشياء الخارجية هي التي توحي له بذلك ، بحيث يكفي سماع الصوت لتحديد اللفظة هذا الموقف الذي جسده أفلاطون نجده مجسدا في الفكر العربي الإسلامي بلسان إبن فارس ( 4 ق م ) من خلال موقفه المدافع عن النظرة التوفيقية مستشهدا على ذلك بظاهر معنى الآية القرآنية : " وعلم آدم الأسماء كلها " وهذا دليل على أن اللغة ليست من صنع البشر ولا قدرة لهم على إنشائها وإنما هي وحي من عند الله منحها للإنسان حتى تسهل عليه معرفة الأشياء وهذا إن دل إنما يدل على أن للأشياء صفات تميزها عن غيرها متضمنة لها في ذاتها ، وليس الإنسان هو الذي يحددها ويمنحها إياها نتيجة إتفاقه مع غيره من أفراد المجتمع . إضافة إلى هذا نجد علماء اللغة في العصر الحديث يؤكدون على الترابط الوثيق بين الدال والمدلول في العلامة اللسانية ، مايؤكد على أن هذا الترابط ماهو إلا نتيجة من نتائج العلاقة الطبيعية بينهما وهذا ما أكد عليه إيميل بينيفست في قوله : " أحد مكونات العلامة هي الصورة الصوتية ويشكل الدال ، أما المكون الآخر فهو المفهوم ويشكل المدلول " ، وكل منهما يستحضر الآخر في كل الظروف وهذا يعني أن الدلالة اللسانية شيء واحد يتحد فيه الدال والمدلول وبدونهما تفقد خاصيتها ، ومن جهة ثانية نجد أن عقل الإنسان لا يقبل أصوات لا تقبل تمثلا يمكننا من معرفتها ، وما هذا إلا تأكيد قاطع على العلاقة الضرورية الموجودة بين اللفظ ومعناه
النقد والمناقشة: لكن القول بأن العلاقة بين الكلمات ومعانيها تتحكم فيها بالضرورة تصور مخالف لخاصية من خصائص اللغة والتي هي عبارة عن نسق من الرموز والإشارات التي أبدعها الإنسان وتواضع عليها ليستخدمها في التعبير والتواصل وبالتالي بإمكانها أن تطلعنا على مفاهيم وتصورات ليس لها وجود محسوس بالضرورة في الواقع كالحركة ، العدل ... فلو كانت الكلمات تحاكي الأشياء فبماذا نفسر تعدد الألفاظ والمسميات للشيء الواحد ( الأسد : الشبل ، ...) .
الاطروحة الثانية : في مقابل هذا الاتجاه نجد من المفكرين من يذهب إلى اعتبار العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية اصطلاحية لا مادية طبيعية ، ومن بين أصحاب هذا الاتجاه نجد أرسطوقديما من خلال اعتباره اللغة ظاهرة اجتماعية ، وهذا يؤكد على أن اللغة ذات صبغة اجتماعية فرضتها الحاجة الماسة للإنسان إلى وسيلة يعبر بها عن جميع حاجياته التي يحققها لغيره ، و من بين الذين يؤيدون أرسطونجد إبن جني في الفكر العربي الذي يؤمن بإعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول فيقول : " إن أكثر أهل النظر يؤكدون على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي وتوقيف ". حيث يرى أن الإنسان يمتلك القدرة على إنشاء الكلمات كل حسب المعنى الذي يحدده هو وأنه لامجال للقول بأن العلاقة بين اللفظ ومعناه ضرورية ، ومن جهة أخرى يؤكد دي سوسير على أن الرمز شيء إعتباطي وهذا من ناحيتين ، فالدال شيء إعتباطي لأنه ليست هناك علاقة طبيعية بينه وبين مايدل عليه ، بل هناك علاقة يقبلها الناس بحكم التقليد أو العرف ، إذ ليس هناك من خاصية تشترك فيها كل الأشجار مثلا حيث يقتضي المنطق أن ندعوها أشجارا ، لكن هذا ماندعوها به لأننا إتفقنا على ذلك . كما أن اللغة تتصف بالإعتباطية على مستوى المدلول أيضا ، فدي سوسير يذهب للقول أن اللغة ليست نظاما من الأمور الجاهزة الثابثة بل من الأشكال غير المستمرة ، فهي نظام من العلاقات بين الوحدات التي تشكلها فيقول : " اللغة للكل وليست جوهرا " . ولهذا ليس من الضروري القول بأن هناك علاقة ضرورية بين الدال والمدلول بوجه عام مادام وجودها مرتبط ببوجود الإنسان الذي يعد شرطا أساسيا لوجود المعاني .وهذا مايذهب إليه الفيلسوف الفرنسي هنري دولا كروا في قوله : " إن الجماعة هي التي تعطي للإشارة اللغوية (الكلمة ) دلالتها وفي هذه الدلالة يلتقي الأفراد " ، ويقول أيضا : " اللغة هي جملة من الإصلاحات تتبناها هيئة إجتماعية ما تنظم بواسطتها عمل التخاطب بين أفرادها ". لهذا فاللغة مكتسبة نتيجة إتفاق أفراد المجتمع حول معان تطلق الأشياء بهدف تسهيل عمل التخاطب بينهم ، إضافة فإننا نجد الفيلسوف الألماني المعاصر أرنست كاسير يقول : " إن الأسماء الواردة في الكلام الإنساني لم توضع لتشير إلى أشياء مادية بل على كائنات مستقلة بذاتها ". وهذا ماقصده دي سوسير بقوله : " إن الرابطة الجامعة بين الدال والمدلول رابطة تحكمية ". وبهذا فالكلمات أو الرموز أو الإشارات لا تحيل في حذ ذاتها إلى أي معنى أو مضمون إلا إذا أصطلح عليه المجتمع.
النقد والمناقشة: صحيح أن للمجتمع دور في تحديد معاني الألفاظ ، لكن صفة الإعتباطية والإصطلاحية لا تعني أن للفرد الحرية في وضع العلامات واستعمالها حسب هواه ، كما أن الدراسات التي قام بها علماء اللغة المختصين في دراسة اللهجات اللغوية أن الإنقسامات اللهجية الجغرافية هي في حالة تقلب مستمر وبعيدة عن الوضوح ، فالقواعد التي تتحكم في لغة الجماعة تعسفية بذاتها لأن المرء إذا تابع الخلافات في التفاصيل على كل المستويات فإن اللهجة عندئذ تصبح لهجة الفرد لا الجماعة ، إضافة إلى ذلك نجد أن الكثير من الأفراد يملكون في مقدرتهم اللغوية أكثر من لهجة إجتماعية مختلفة .
شاهد أيضا من هنااا النموذج الثاني نموذج مهم لمقالة فلسفية توضح العلاقة القائمة بين اللفظ والمعني(الدلال والمدلول)
التركيب: ومما سبق يمكن القول ان العلاقة بين الدال والمدلول أخذت الصفة الطبيعية نتيجة فكرة الضرورة وهذه الحالة لا تكون إلا حينما يكون الفرد في معزل عن غيره من أفراد المجتمع لكنها تغيرت فيما بعد نتيجة الطابع الإجتماعي الذي غلب على حياة الفرد ، بحيث أصبح أفراد المجتمع هم الذين يصطلحون على الأشياء معان تدل عليها وتميزها عن غيرها حتى تسهل عليهم عملية التواصل والتفاهم . وهذا ما أقر به أبيقور متخذا موقفا وسطا بين الإتجاهين من خلال إعتقاده بأن صيغ الكلمات قد نشأت بشكل طبيعي ، ولكنها تغيرت عن طريق العرف وبشكل أكثر أهمية في تاريخ علم اللغة .
الخاتمة : في الأخير نستنتج أن التعارض الموجود في طبيعة العلاقة بين الدال والمدلول لا يعني أنه لا وجود لصلة بينهما ، فالعلاقة بينهما علاقة ضرورية واعتباطية لأنه فعلا هناك من الألفاظ ماهو محاكاة ومطابقة تامة لما هو في الطبيعة واعتباطية لأن الدراسات في مجال علم اللغة تؤكد أن الطبيعة عاجزة على استيعاب كل الألفاظ لذا كان التوافق والإصطلاح .